فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{لا تحرك به لِسانك لِتعْجل به (16)}
هذه الآية وقعت هنا معترضة.
وسبب نزولها ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يُحرك به لسانه يريد أن يحفظه مخافة أن يتفلّت منه، أو من شدة رغبته في حِفْظه فكان يلاقي من ذلك شدة فأنزل الله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعْجل به إِنّ علينا جمعه وقرآنه}. قال: جمْعه في صدرك ثم تقرأه فإذا قرآناه فاتّبعْ قرآنه قال فاستمِعْ له وأنْصِتْ، ثم إن علينا أن نبيّنه بلسانك، أي أن تقرأه» اهـ.
فلما نزل هذا الوحي في أثناء نزول السورة للغرض الذي نزل فيه ولم يكن سورة مستقلة كان ملحقا بالسورة وواقعا بين الآي التي نزل بينها.
فضمير {به} عائد على القرآن كما هو المعروف في آيات كثيرة.
وقوله: {فإذا قرآناه}، أي إذا قرأه جبريل عنا، فأُسْنِدتْ القراءة إلى ضمير الجلالة على طريقة المجاز العقلي، والقرينة واضحة.
ومعنى {فاتّبع قرآنه}، أي أنْصِتْ إلى قراءتِنا.
فضمير {قرآناه} راجع إلى ما رجع إليه ضمير الغائب في {لا تحرك به} وهو القرآن بالمعنى الأسمي، فيكون وقوع هذه الآية في هذه السورة مثل وقوع {وما نتنزّل إلاّ بأمر ربك} في سورة مريم (64)، ووقوع {حافظوا على الصلوات والصلاةِ الوسطى في أثناء أحكام الزوجات} في سورة البقرة (238).
قالوا: نزلت هذه الآية في أثناء سورة القيامة: هذا ما لا خلاف فيه بين أهل الحديث وأيمة التفسير.
وذكر الفخر عن القفال أنه قال: إن قوله: {لا تحرك به لسانك} ليس خطابا مع الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو خطاب مع الإنسان المذكور في قوله: {ينبّأ الإنسان} [القيامة: 13] فكان ذلك للإِنسان حا لما يُنبّأُ بقبائح أفعاله فيقال له: اقرأ كتابك، فإذا أخذ في القراءة تلجلج لسانه فيقال له: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} فإنه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك وأن نقرأها عليك فإذا قرآناه عليك فاتبع قرآنه بالإقرار، ثمّ إن علينا بيان مراتب عقوبته، قال القفال: فهذا وجه حسن ليس في العقل ما يدفعه وإن كانت الآثار غير واردة به اهـ.
وأقول: إن كان العقل لا يدفعه فإن الأسلوب العربي ومعاني الألفاظ تنبو عنه.
والذي يلوح لي في موقع هذه الآية هنا دون أن تقع فيما سبق نزوله من السور قبل هذه السورة: أن سور القرآن حين كانت قليلة كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخشى تفلّت بعض الآيات عنه فلما كثرت السور فبلغت زهاء ثلاثين حسب ما عده سعيد بن جبير في ترتيب نزول السور، صار النبي صلى الله عليه وسلم يخشى أن ينسى بعض آياتها، فلعله صلى الله عليه وسلم أخذ يحرك لسانه بألفاظ القرآن عند نزوله احتياطا لحفظه وذلك من حرصه على تبليغ ما أنزل إليه بنصه، فلما تكفل الله بحفظه أمره أن لا يكلف نفسه تحريك لسانه، فالنهي عن تحريك لسانه نهي رحمة وشفقة لما كان يلاقيه في ذلك من الشدة.
و(قرآن) في الموضعين مصدر بمعنى القراءة مثل الغُفران والفُرقان، قال حسان في رثاء عثمان بن عفان:
يقطِّع الليل تسبيحا وقرآنا

ولفظ {علينا} في الموضعين للتكفل والتعهّد.
و{ثم} في {ثم إن علينا بيانه} للتراخي في الرتبة، أي التفاوتتِ بين رتبة الجملة المعطوف عليها وهي قوله: {إنّ علينا جمْعه وقرآنه}، وبين رتبة الجملة المعطوفة وهي {إِن علينا بيانه}.
ومعنى الجملتين: أن علينا جمع الوحي وأن تقرأه وفوق ذلك أن تبينه للناس بلسانك، أي نتكفل لك بأن يكون جمعه وقرآنه بلسانك، أي عن ظهر قلبك لا بكتابة تقرأها بل أن يكون محفوظا في الصدور بيّنا لكل سامع لا يتوقف على مراجعة ولا على إحضار مصحف من قُرب أو بُعد.
فالبيان هنا بيان ألفاظه وليس بيان معانيه لأن بيان معانيه ملازم لورود ألفاظه.
وقد احتج بهذه الآية بعض علمائنا الذين يرون جواز تأخير البيان عن المبيّن متمسكين بأن {ثم} للتراخي وهو متمسّك ضعيف لأن التراخي الذي أفادته {ثم} إنما هو تراخ في الرتبة لا في الزمن، ولأن {ثم} قد عطفت مجموع الجملة ولم تعطف لفظ {بيانه} خاصة، فلو أريد الاحتجاج بالآية للزم أن يكون تأخير البيان حقا لا يخلو عنه البيان وذلك غير صحيح.
{كلّا بلْ تُحِبُّون الْعاجِلة (20) وتذرُون الْآخِرة (21)}
رجوع إلى مهيع الكلام الذي بنيت عليه السورة كما يرجِع المتكلم إلى وصل كلامه بعد أن قطعه عارض أو سائل، فكلمة {كلاّ} ردع وإبطال.
يجوز أن يكون إبطالا لما سبق من قوله: {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه إلى قوله ولو ألقى معاذيره} [القيامة: 3 15]، فأعيد {كلاّ} تأكيدا لنظيره ووصلا للكلام بإعادة آخر كلمة منه.
والمعنى: أن مزاعِمهُم باطلة.
وقوله: {بل تحبون العاجلة} إضراب إبطالي يُفصِّل ما أجمله الردع بـ {كّلا} من إبطال ما قبلها وتكذيبه، أي لا معاذير لهم في نفس الأمر ولكنهم أحبوا العاجلة، أي شهوات الدنيا وتركوا الآخرة، والكلام مشعر بالتوبيخ ومناط التوبيخ هو حب العاجلة مع نبذ الآخرة فأما لو أحب أحد العاجلة وراعى الآخرة، أي جرى على الأمر والنهي الشرعيين لم يكن مذموما.
قال تعالى فيما حكاه عن الذين أوتوا العلم من قوم قارون {وابتغ فِيما ءاتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} [القصص: 77].
ويجوز أن يكون إبطالا لما تضمنه قوله: {ولو ألقى معاذيره} [القيامة: 15] فهو استئناف ابتدائي.
والمعنى: أن معاذيرهم باطلة ولكنهم يحبون العاجلة ويذرون الآخرة، أي آثروا شهواتهم العاجلة ولم يحسبوا للآخرة حسابا.
وقرأ الجمهور {تحبون} و{تذرون} بتاء فوقية على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في موعظة المشركين مُواجهة بالتفريع لأن ذلك أبلغ فيه.
وقرأه ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب بياء تحتية على نسق ضمائر الغيبة السابقة، والضمير عائد إلى {الإنسان} في قوله: {بل الإنسان على نفسه بصِيرة} [القيامة: 14] جاء ضمير جمع لأن الإنسان مراد به الناس المشركون، وفي قوله: {بل تحبون} ما يرشد إلى تحقيق معنى الكسب الذي وُفق إلى بيانه الشيخ أبو الحسن الأشعري وهو الميل والمحبة للفعل أو الترك.
{وُجُوهٌ يوْمئِذٍ ناضِرةٌ (22) إِلى ربها ناظِرةٌ (23)}
المراد بـ {يومئذٍ} يوم القيامة الذي تكرر ذكره بمثل هذا ابتداء من قوله: {يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر} [القيامة: 10]، وأعيد مرتين.
والجملة المقدرة المضاف إليها (إذْ)، والمعوّضُ عنها التنوين تقديرها: يوم إذ برق البصر.
وقد حصل من هذا تخلص إلى إجمال حال الناس يوم القيامة بين أهل سعادة وأهل شقاوة.
فالوجوه الناضرة وجوه أهل السعادة والوجوه الباسرة وجوه أهل الشقاء، وذلك بين من كلتا الجملتين.
وقد علم الناس المعنيّ بالفريقين مما سبق نزوله من القرآن كقوله في سورة عبس (40 42): {ووُجوه يومئذٍ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة} فعُلم أن أصل أسباب السعادة الإِيمان بالله وحده وتصديق رسُوله والإِيمان بما جاء به الرسول، وأن أصل أسباب الشقاء الإشراك بالله وتكذيب الرسول ونبذ ما جاء به.
وقد تضمن صدر هذه السورة ما ينبئ بذلك كقوله: {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه} [القيامة: 3] وقوله: {بل يريد الإنسان ليفجر أمامه} [القيامة: 5].
وتنكير {وجوه} للتنويع والتقسيم كقوله تعالى: {فريقٌ في الجنة وفريق في السعير} [الشورى: 7] وقول الشاعر وهو من أبيات (كتاب الآداب) ولم يعزُه ولا عزاهُ صاحبُ (العُباب) في شرحه:
فيومٌ علينا ويومٌ لنا ** ويومٌ نُساء ويوم نُسر

وقول أبي الطيب:
فيوما بخيل تطْرُد الروم عنهم ** ويْومٌ بِجُود تطرد الفقر والجدْبا

فالوجوه الناضرة الموصوفةُ بالنضْرة (بفتح النون وسكون الضاد) وهي حسن الوجه من أثر النعمة والفرح، وفعله كنصر وكرُم وفرِح، ولذلك يقال: ناضر ونضير ونضِر، وكُني بنضرة الوجوه عن فرح أصحابها ونعيمهم، قال تعالى في أهل السعادة {تعرف في وجوههم نضرة النعيم} [المطففين: 24] لأن ما يحصل في النفس من الانفعالات يظهر أثره.
وأخبر عنها خبرا ثانيا بقوله: {إلى ربها ناظرة} وظاهر لفظ {ناظرة} أنه من نظر بمعنى: عاين ببصره إعلانا بتشريف تلك الوجوه أنها تنظر إلى جانب الله تعالى نظرا خاصا لا يشاركها فيه من يكون دون رتبهم، فهذا معنى الآية بإجماله ثابت بظاهر القرآن وقد أيدتها الأخبار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة «أن أناسا قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تُضارُّون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا؟ قلنا: لا، قال: فإنكم لا تُضارُّون في رؤية ربكم يومئذٍ إلاّ كما تضارون في رؤيتهما».
وفي رواية «فإنكم ترونه كذلك» وساق الحديث في الشفاعة.
وروى البخاري عن جرير بن عبد الله قال: «كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامُون في رؤيته» وربما قال: «سترون ربكم عيانا».
وروى مسلم عن صهيب بن سنان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إذا دخل أهل الجنةِ الجنة يقول الله تعالى: تُريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا ألم تُدْخِلْنا الجنة وتنجِّنا من النار، قال: فيكْشِف الحجاب فما يُعطوْن شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم».
فدلالة الآية على أن المؤمنين يرون بأبصارهم رؤية متعلقة بذات الله على الإِجمال دلالة ظنية لاحتِمالها تأويلات تأوّلها المعتزلةُ بأن المقصود رؤية جلاله وبهجة قدسه التي لا تخوِّل رؤيتها لغير أهل السعادة.
ويلحق هذا بمتشابه الصفات وإن كان مقتضاه ليس إثبات صفة، ولكنه يؤول إلى الصفة ويستلزمها لأنه آيل إلى اقتضاء جهة للذات، ومقدارٍ يُحاطُ بجميعه أو ببعضِه، إذا كانت الرؤية بصرية، فلا جرم أن يُعد الوعد برؤية أهل الجنة ربهم تعالى من قبيل المتشابه.
ولعلماء الإِسلام في ذلك أفهام مختلفة، فأما صدر الأمة وسلفها فإنهم جروا على طريقتهم التي تخلقوا بها من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من الإِيمان بما ورد من هذا القبيل على إِجماله، وصرف أنظارهم عن التعمّق في تشخيص حقيقته وإدراجه تحت أحد أقسام الحكم العقلي، فقد سمعوا هذا ونظائره كلّها أو بعضها أو قليلا منها، فيما شغلوا أنفسهم به ولا طلبوا تفصيله، ولكنهم انصرفوا إلى ما هو أحق بالعناية وهو التهمّم بإقامة الشريعة وبثّها وتقرير سلطانها، مع الجزم بتنزيه الله تعالى عن اللوازم العارضة لظواهر تلك الصفات، جاعلين إِمامهم المرجوع إليه في كل هذا قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشوى: 11]، أو ما يقارب هذا من دلائل التنزيه الخاصة بالتنزيه عن بعض ما ورد الوصف به مثل قوله: {لا تدركه الأبصار} [الأنعام: 103] بالنسبة إلى مقامنا هذا، مع اتفاقهم على أنّ عدم العلم بتفصيل ذلك لا يقدح في عقيدة الإِيمان، فلما نبع في علماء الإِسلام تطلّب معرفة حقائق الأشياء وألْجأهُم البحثُ العلمي إلى التعمق في معاني القرآن ودقائق عباراته وخصوصيات بلاغته، لم يروا طريقة السلف مقنعة لأفهام أهل العلم من الخلف لأن طريقتهم في العلم طريقةُ تمحيص وهي اللائقة بعصرهم، وقارِن ذلك ما حدث في فرق الأمة الإِسلامية من النِحل الاعتقادية، وإلقاء شبه الملاحدة من المنتمين إلى الإسلام وغيرهم، وحدا بهم ذلك إلى الغوص والتعمق لإِقامة المعارف على أعمدة لا تقبل التزلزل، ولدفع شبه المتشككين ورد مطاعن الملحدين، فسلكوا مسالك الجمع بين المتعارضات من أقوال ومعان وإقرار كلِّ حقيقة في نصابها، وذلك بالتأويل الذي يقتضيه المقتضي ويعضده الدليل.
فسلكت جماعات مسالك التأويل الإِجمالي بأن يعتقدوا تلك المتشابهات على إجمالها ويوقنوا التنزيه عن ظواهرها ولكنهم لا يفصِّلون صرفها عن ظواهرها بل يُجملون التأويل، وهذه الطائفة تُدعى السلفية لقرب طريقتها من طريقة السلف في المتشابهات، وهذه الجماعات متفاوتة في مقدار تأصيل أصولها تفاوتا جعلها فرقا: فمنهم الحنابلة، والظاهرية، الخوارج الأقدمون غير الذين التزموا طريقة المعتزلة.
ومنهم أهل السنة الذين كانوا قبل الأشعري مثل المالكية وأهل الحديث الذين تمسكوا بظواهر ما جاءت به الأخبار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم مع التقييد بأنها مؤوّلة عن ظواهرها بوجه الإِجمال.
وقد غلا قوم من الآخذين بالظاهر مثل الكرامية والمشبهة فألحقوا بالصنف الأول.
ومنهم فِرق النُّظّارين في التوفيق بين قواعد العلوم العقلية وبين ما جاءت به أقوال الكتاب والسنة وهؤلاء هم المعتزلة، والأشاعرة، والماتريدية.
فأقوالهم في رؤية أهل الجنة ربهم ناسجة على هذا المنوال:
فالسلف أثبتوها دون بحث، والمعتزلة نفوها وتأولوا الأدلة بنحو المجاز والاشتراك، وتقدير محذوف لمعارضتها الأصول القطعية عندهم فرجحوا ما رأوْه قطعيا وألْغوْها.
والأشاعرة أثبتوها وراموا الاستدلال لها بأدلة تفيد القطع وتبطل قول المعتزلة ولكنهم لم يبلغوا من ذلك المبلغ المطلوب.
وما جاء به كل فريق من حجاج لم يكن سالما من اتجاه نقوض ومُنُوع ومعارضات، وكذلك ما أثاره كل فريق على مخالفيه من معارضات لم يكن خالصا من اتجاه مُنُوع مجردة أو مع المستندات، فطال الْأخذ والرد.
ولم يحصل طائل ولا انتهى إلى حد.
ويحسن أن نفوض كيفيتها إلى علم الله تعالى كغيرها من المتشابه الراجع إلى شؤون الخالق تعالى.
وهذا معنى قول سلفنا: إنها رؤية بلا كيف وهي كلمة حق جامعة، وإن اشمأزّ منها المعتزلة.
هذا ما يتعلق بدلالة الآية على رؤية أهل الجنة ربهم، وأمّا ما يتعلق بأصل جواز رؤية الله تعالى فقد مضى القول فيها عند قوله تعالى: {قال لن تراني} في سورة الأعراف (143).
وتقديم المجرور من قوله: {إلى ربها} على عامله للاهتمام بهذا العطاء العجيب وليس للاختصاص لأنهم ليرون بهجات كثيرة في الجنة.
وبين {ناضرة} و{ناظرة} جناس محرف قريب من التامّ.
وسوغ الابتداء بالنكرة في قوله: {وجوهٌ يومئذٍ ناضرة} أنها أُرِيد بها التفصيل والتقسيم لمقابلتِه بقوله: {ووجوهٌ يومئذٍ باسرة}، على حد قول الشاعر:
فيوم علينا ويومٌ لنا ** ويومٌ نُساء ويوم نسر

وأما الوجوه الباسرة فنوع ثان من وجوه الناس يومئذٍ هي وجوه أهل الشقاء.
وأعيد لفظ {يومئذٍ} تأكيدا للاهتمام بالتذكير بذلك اليوم.
و{باسرة}: كالحة مِن تيقن العذاب، وتقدم عند قوله تعالى: {ثم عبس وبسر} في سورة المدثر (22).
فجملة {تظُنّ أن يُفْعل بها فاقرة} استئناف بياني لبيان سبب بسورها.
و{فاقرة}: داهية عظيمة، وهو نائب فاعل {يُفعل بها} ولم يقترن الفعل بعلامة التأنيث لأن مرفوعهُ ليس مؤنثا حقيقيا، مع وقوع الفصل بين الفعل ومرفوعه، وكلا الأمرين يسوغ ترك علامة التأنيث.
وإِفراد {فاقرة} إفراد الجنس، أي نوعا عظيما من الداهية.
والمعنى: أنهم أيقنوا بأن سيلاقوا دواهي لا يُكتنه كنهها. اهـ.